شهدت المناطق القريبة من سواحل الواجهة الأطلسية المغربية خلال الأيام القليلة الماضية تساقطات مطرية غزيرة، في حين استمرت حالة الجفاف على اليابسة. هذه الظاهرة أثارت تساؤلات كثيرة لدى المهتمين بشؤون المناخ، الذين حاولوا فهم أسباب اقتصار الأمطار على السواحل دون امتدادها إلى الداخل، في الوقت الذي تشهد فيه بلدان أوروبية مجاورة أمطاراً كثيفة.
التأثيرات الجوية الرئيسية
وفقاً لخبراء الأرصاد الجوية، تعود هذه الظاهرة إلى تفاعل عدة عوامل جوية معقدة. من أبرزها تأثير المرتفع الإفريقي، الذي يجلب كتل هوائية جافة وحارة من الجنوب، ما يمنع وصول الكتل الرطبة القادمة من المحيط الأطلسي ويعزز استقرار الأجواء.
كذلك، يشكل المرتفع الآصوري حاجزاً إضافياً يمنع تقدم المنخفضات الجوية الممطرة نحو المغرب. وأوضحت التفسيرات العلمية أن وجود التيار النفاث شبه المداري بعيداً أو ضعيفاً يساهم في تقليل فرص وصول الكتل الباردة اللازمة لتشكل الأمطار في المناطق الداخلية.
عوامل إضافية تؤثر على الطقس
إلى جانب المرتفعات الجوية، تلعب التغيرات المناخية العالمية، مثل ظاهرة النينيو، دوراً مهماً في التأثير على أنماط الطقس. كما أن تذبذب شمال الأطلسي (NAO)، الذي يعكس الفروقات في الضغط الجوي بين منطقتي الآصور وآيسلندا، يؤثر بدوره على حالة الطقس في أوروبا وشمال إفريقيا، بما في ذلك المغرب.
تتطلب الدينامية المناخية التي تشجع على هطول الأمطار توازناً دقيقاً بين عدة عوامل، مثل ضعف تأثير المرتفع الإفريقي واقتراب التيار النفاث من المغرب، بالإضافة إلى نشاط المنخفضات الأطلسية وتدفق الرطوبة من المحيط. كما أن هبوط الكتل الهوائية الباردة من الشمال أو الشمال الشرقي وامتداد الجبهة المدارية الرطبة يُعتبران من العوامل المساعدة في تحفيز تشكل الأمطار.
اختلال في عمل المنظومة الجوية
يرى خبراء المناخ أن هذه الظاهرة تعكس اختلالاً في آلية عمل المنظومة الجوية. ارتفاع درجات الحرارة في المحيط الأطلسي مقارنة باليابسة يزيد من الطاقة المتاحة للغلاف الجوي. وأشاروا إلى أن التيار النفاث القطبي، المسؤول عن تساقط الأمطار في المغرب وغرب أوروبا، شهد تموجات غير معتادة خلال هذه الفترة، ما ساهم في توجيه الأمطار إلى أوروبا بدلاً من المغرب.
آمال في تغير الظروف المناخية
على الرغم من هذه التفسيرات، يتوقع الخبراء أن تتغير الظروف الجوية مستقبلاً مع تحرك الأنظمة المناخية. فقد يؤدي ضعف المرتفعات الجوية المؤثرة إلى تحسين فرص تساقط الأمطار. كما أن انخفاض الضغط الجوي الصحراوي، الذي يُعد عاملاً مؤثراً في استقرار الأجواء الجافة، قد يُساهم في عودة الأمطار إلى المناطق الداخلية قريباً.
في انتظار تحسن الظروف المناخية، تبقى هذه الظاهرة تذكيراً بتأثيرات التغير المناخي وتعقيدات الأنظمة الجوية، التي تحتاج إلى مراقبة دقيقة لفهم دينامياتها المتغيرة.