شهدت الجلسة الثانية من جلسات الاستماع التي عقدتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الجمعة الماضية، تطورات مثيرة في قضية سعيد الناصري المتابع ضمن ملف “إسكوبار الصحراء”. الجلسة كشفت عن مزيد من الغموض، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة المالية للمتهم والفيلا الواقعة بشارع مكة، التي استأثرت بجزء كبير من النقاش.
وثائق ودفاع حماسي
حضر سعيد الناصري إلى المحكمة محمّلاً بمجموعة من الوثائق، وأبدى حماساً واضحاً في الدفاع عن نفسه، مما دفعه إلى رفع صوته أثناء الجلسة، قبل أن تتدخل هيأة المحكمة لتذكيره بأنه متهم، له حق الدفاع بالوثائق في إطار الاحترام الكامل لهيأة المحكمة وتدبيرها للجلسة.
تناقضات وشهادات متضاربة
نفى الناصري كافة التهم الموجهة إليه، مشدداً على أن الفيلا موضوع القضية لم تكن مرتبطة بشبكات الماء والكهرباء سنة 2017، مستدلاً بوثيقة صادرة عن الشركة الجهوية متعددة الخدمات تؤكد إدخال هذه الخدمات بمبادرته الخاصة. كما وصف التصريحات المتعلقة بتنظيم سهرات مشبوهة بالفيلا بأنها “افتراءات لا أساس لها”.
أمام قاضي الجلسة، علي الطرشي، أعرب الناصري عن استغرابه من شهادة (نبيل.ض)، مشيراً إلى أنه كان معتقلاً حينما زُعم حضوره إلى الفيلا، مما يظهر تناقضاً واضحاً. وعند استفساره عن لقاء مع سعيد الغزاوي وشقيقه وزوجته، استند إلى أقوال خادمة الفنانة لطيفة رأفت التي تحدثت عن حقيبة مال حُملت من الطابق السفلي، فنفى الناصري ذلك تماماً، مؤكداً أنه لم يلتق بالغزاوي يوماً.
كما أشار إلى تناقض تصريحات لطيفة رأفت بين قولها إنها رأته شخصياً وقولها لاحقاً أن خادمتها أبلغتها بذلك. وأصر الناصري على عدم معرفته بعبد الواحد الغزاوي ولا بالشاهدة حرية التي تحدثت عن ليالٍ ساهرة حضرها.
وطعن الناصري في محضر شهادة وسام ندير، مدير أعمال “المالي”، معتبراً أن غيابه يطعن في صحة أقواله، مطالباً المحكمة باستدعائه.
طلب المواجهة مع المصرحين
كما جدد الناصري طلبه باستدعاء الفنانة لطيفة رأفت والبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، بالإضافة إلى "إسكوبار الصحراء"، بغرض المواجهة المباشرة للوقوف على صحة التصريحات الموجهة ضده.
وفي محاولته لدحض أقوال الشهود، أشار الناصري إلى التناقضات الموجودة في محاضر الاستماع، نافياً بشكل قاطع اقتناء أربع شقق في السعيدية من “المالي”، موضحاً أنه اشترى فقط شقتين موثقتين لدى الموثقة سليمة بنهاشمي، ومؤكداً عدم وجود أي عملية نصب أو دلائل تثبت شراءه أكثر من شقتين.
واعتبر أن تصريحات “المالي” متناقضة بين زعمه بيع سبع شقق مرة، وأربع أخرى في مرة ثانية، ما يدل على محاولة توريطه دون سند قانوني. وأضاف أنه دفع رسوم التسجيل والتحفيظ فقط للشقتين المذكورتين.
مواجهة مباشرة مع فؤاد اليزيدي
لتوضيح النزاع بين أقوال الناصري والي يزيدي، قررت المحكمة إجراء مواجهة بين الطرفين. أحضر فؤاد اليزيدي، هو الآخر وثائق للدفاع عن تصريحاته، وأكد أن الناصري كلفه ببيع شقتين اكتُشف لاحقاً أنهما تعودان لـ"إسكوبار الصحراء"، مستدلاً بتحويل بنكي بقيمة 65 مليون سنتيم للناصري.
الناصري نفى بشدة، موضحاً أن الأموال كانت تخص شقيقه، وتساءل عن المنطق في عدم تسلمه لثمن الشقق يوم البيع إذا كان الادعاء صحيحاً. اليزيدي أجاب بأن التأخر في التحويل كان بسبب عدم تسلمه هو الآخر للثمن يوم البيع، وأن المالي طلب منه لاحقاً إرسال المبلغ للناصري.
وفي سياق متصل، واجهت المحكمة الناصري بمحضر الضابطة القضائية الذي يفيد بأن "إسكوبار الصحراء" صرح ببيع خمس شقق للناصري، بما فيها فيلا بـ150 مليون سنتيم، واتهامه بالنصب عليه وسرقة سيارات. غير أن الناصري رفض كل هذه الادعاءات، مطالباً بدليل مادي واحد لإثباتها، قائلاً للمحكمة: "غير يجيب ليا ما يثبت، ومن بعد حكموا عليا بالإعدام".
وأوضح الناصري أن معرفته باليزيدي كانت عبر "إسكوبار الصحراء" للحصول على دعوات لحضور مباريات الوداد، مقدماً للمحكمة عقدين موقّعين من قبل اليزيدي، وشيكاً بقيمة 12.5 مليون سنتيم، نافياً ادعاء أن البيع تم بطريقة احتيالية.
كما شكك الناصري في محضر شهادة وسام ندير، مشيراً إلى غياب الشاهد الحقيقي وتوقيع المحضر من قبل شاهد آخر.
المقايضة بالسيارة
تطرق الناصري إلى ثمن الشقتين، موضحاً أنه تم عن طريق مقايضة بسيارة “مرسيدس” سنة 2014، في حين أن "إسكوبار الصحراء" ادعى أن السيارة ملكه. وأضاف أن لطيفة رأفت صرحت بأنها كانت على متنها سنة 2013، معتبراً ذلك مستحيلاً لأن السيارة موديل 2014.
التهم الموجهة للناصري
وفق قرار قاضي التحقيق، يُتابع سعيد الناصري بتهم ثقيلة منها التزوير في محررات رسمية، واستعمال اتفاقات مشبوهة، والمشاركة في تصدير المخدرات بدون ترخيص، والنصب، واستغلال النفوذ، وإجراء صفقات مالية مشبوهة بالعملة الأجنبية. كما وُجهت له تهم محاولة التأثير على الشهود وتهديدهم، وإخفاء ممتلكات متحصلة من جنح، إلى جانب التزوير واستعمال وثائق تجارية طبقاً للمادة 316 من مدونة التجارة.
بالمقابل، تم إسقاط تهمة خرق الأحكام المتعلقة بحركة المخدرات داخل نطاق الجمارك وفق الفصل 279 مكرر مرتين من مدونة الجمارك.
تدخل القاضي الطرشي: ضبط سير الجلسة
أثناء مداخلاته، حاول الناصري توجيه الجلسة بطريقته الخاصة عبر الإصرار على تقديم "حقائق مثيرة"، مما دفع القاضي علي الطرشي إلى التدخل أكثر من مرة، مطالباً إياه باحترام هيأة المحكمة وعدم الإطالة. وقال له بحزم: "هل تريد تسيير الجلسة؟ المحكمة محايدة وليست خصماً لك".
ومع تكرار الناصري لمحاولاته، تدخل القاضي مرة أخرى مخاطباً إياه بحدة: "ماتقولش شوف، احترم راسك مرة أخرى، المحكمة ليست تلميذاً عند الناصري".
وعقب هذه الملاحظات، أوضح الناصري أنه لم يقصد الإساءة وأكد احترامه الكبير للمحكمة، فيما تدخل محاميه موضحاً أن طريقة حديثه تعبر فقط عن حرقة داخلية يعيشها موكله.