حذّرت دراسة طبية حديثة من تفشٍ عالمي غير مسبوق للسمنة، متوقعة أن يعاني 60% من البالغين وثلث الأطفال والمراهقين من زيادة الوزن أو البدانة بحلول عام 2050، مما يسلط الضوء على أزمة صحية متفاقمة تتطلب استجابات عاجلة.
الدراسة، التي نشرت في مجلة "ذي لانسيت" وشملت بيانات من 204 دول، دعت إلى إصلاحات جذرية في السياسات الغذائية وممارسة الرياضة، مشيرة إلى أن عدد المصابين بالسمنة قد تضاعف ثلاث مرات بين عامي 1990 و2021، حيث ارتفع من 731 مليونًا إلى 2.11 مليار بالغ، ومن 198 مليونًا إلى 493 مليون طفل ومراهق.
المغرب.. أرقام مقلقة واتجاه تصاعدي
في السياق المغربي، كشف الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، عن أرقام مثيرة للقلق بشأن انتشار السمنة في المملكة، حيث ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن إلى 60%، فيما يعاني واحد من كل أربعة مغاربة من السمنة، مما يجعلها أزمة صحية حقيقية.
وتوقع حمضي أنه بحلول عام 2030 سيصل عدد المغاربة البالغين الذين يعانون من السمنة إلى 17 مليون شخص، بينهم 10 ملايين امرأة و7 ملايين رجل، ما يشير إلى أن النساء أكثر تأثرًا بهذه الظاهرة. أما على المدى البعيد، فإن التوقعات العالمية تشير إلى أن واحدًا من كل ثلاثة شباب في العالم سيعاني من السمنة بحلول 2050، مع تسجيل معدلات مرتفعة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
انعكاسات صحية واقتصادية خطيرة
لا تقتصر خطورة السمنة على الجوانب الصحية فقط، إذ يُحذر الخبراء من ارتباطها بأمراض قاتلة مثل أمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية والتهاب المفاصل، حيث يُسجل المغرب حالتي وفاة كل ساعة بسبب السمنة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تتسبب السمنة في خسائر مالية ضخمة للدولة، حيث تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وتراجع الإنتاجية بسبب الغياب المتكرر عن العمل أو ضعف الأداء المهني. وتشير التقديرات إلى أن التكلفة الاقتصادية المرتبطة بالسمنة قد تصل إلى 7.3 مليارات دولار بحلول 2035، أي ما يعادل 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
أنماط الحياة.. عامل رئيسي في تفاقم الأزمة
بحسب الخبراء، فإن العادات الغذائية غير الصحية، إلى جانب قلة النشاط البدني، هما العاملان الأساسيان وراء انتشار السمنة في المغرب. يستهلك المغاربة يوميًا حوالي 100 غرام من السكر، أي ضعف المعدل العالمي البالغ 50 غرامًا، وأربعة أضعاف الحد الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية (25 غرامًا يوميًا). كما أن 25% من المغاربة لا يمارسون أي نشاط بدني، فيما تصل هذه النسبة إلى 95% بين الشباب، ما يجعل الأطفال والمراهقين الفئة الأكثر عرضة للسمنة.
استراتيجيات غير كافية وحلول ضرورية
رغم الجهود المبذولة لمواجهة الظاهرة، ترى أسماء زريول، أخصائية التغذية وأستاذة التعليم العالي، أن المغرب لا يزال بحاجة إلى خطط أكثر فاعلية، تركز على التوعية بالتربية الغذائية وتوجيه المواطنين نحو اختيارات غذائية صحية. وتعتبر زريول أن "التربية الغذائية وتصحيح العادات الاستهلاكية هما المفتاح للحد من انتشار السمنة".
كما أكدت على ضرورة الابتعاد عن العادات الغذائية المستوردة، مشيرة إلى أن "حتى الأطباق المغربية التقليدية لم تسلم من التغيرات التي زادت من قيمتها السعرية، مما أدى إلى اختفاء الأطباق الصحية التي كانت تساهم في الحفاظ على الوزن المتوازن".
وسائل التواصل الاجتماعي.. مساهم خفي في تفاقم الأزمة
لم يعد المنزل، الذي كان يُفترض أن يكون بيئة آمنة للغذاء الصحي، محصنًا من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت المنصات الرقمية تروج لأنماط غذائية غير صحية ومكملات غذائية غير مدروسة. وحذرت زريول من أن انتشار هذه المعلومات الخاطئة يجعل الناس غير قادرين على التمييز بين النصائح العلمية السليمة والترويج التجاري المضلل.
كما نبهت إلى خطورة الحميات القاسية مثل "الكيتو"، التي قد تساهم في فقدان الوزن بسرعة، لكنها تؤدي إلى تأثيرات جانبية أبرزها "تأثير اليويو"، حيث يعود الوزن إلى الارتفاع بمجرد العودة إلى النظام الغذائي العادي.
مواجهة السمنة.. مسؤولية جماعية
في ظل هذه المعطيات، يتطلب التصدي للسمنة استراتيجيات وطنية صارمة تشمل سنّ سياسات غذائية واضحة، وتعزيز ممارسة الرياضة، والتوعية بخطورة الاستهلاك المفرط للسكريات، فضلاً عن ضبط المحتوى الرقمي المتعلق بالتغذية للحد من التضليل الإعلامي.
فالسمنة لم تعد مجرد مسألة فردية تتعلق بالعادات الغذائية، بل تحولت إلى أزمة صحية واقتصادية تتطلب تحركًا جماعيًا عاجلًا لتجنب آثارها المدمرة على المجتمع.