ألقت السلطات الفرنسية القبض على بافل دوروف، الملياردير الروسي والرئيس التنفيذي لتطبيق "تليغرام" الشهير، في مطار لو بورجيه بالقرب من باريس، مما أثار موجة من ردود الفعل والاهتمام العالمي.
من هو بافل دوروف ولماذا اعتُقل؟
بافل دوروف، البالغ من العمر 39 عامًا، هو رجل أعمال روسي بارز يُعرف بدفاعه القوي عن الخصوصية الرقمية وحرية التعبير. تقدر مجلة "فوربس" ثروته بحوالي 15.5 مليار دولار. حصل دوروف على الجنسية الفرنسية في أغسطس 2021، ويملك أيضًا جنسية الإمارات العربية المتحدة. يُشار إليه أحيانًا بلقب "مارك زوكربيرغ روسيا" نظرًا لتأسيسه لموقع التواصل الاجتماعي "في كيه" (VK) عام 2006، والذي أصبح أكبر شبكة تواصل اجتماعي في روسيا وعُرف بلقب "فيسبوك روسيا".
تاريخه مع الحكومة الروسية
تدهورت علاقة دوروف مع الحكومة الروسية في عام 2014 بعد أن رفض إغلاق مجموعات معارضة على منصة "في كيه" خلال الأحداث السياسية في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة الضغوط عليه. وفي نفس العام، قرر مغادرة روسيا، وباع حصته في "في كيه"، وبدأ في البحث عن مقر آمن لشركته، متنقلًا بين برلين ولندن وسنغافورة وسان فرانسيسكو قبل أن يستقر في دبي، حيث يوجد المقر الرئيسي لـ "تليغرام" حاليًا.
مواقفه بشأن الخصوصية والتدخلات الحكومية
يُعرف دوروف بموقفه الحازم بشأن حماية الخصوصية ورفضه التدخلات الحكومية في منصاته. وقد أكد مرارًا أن "تليغرام" سيظل محايدًا وبعيدًا عن التأثيرات الجيوسياسية، وهو موقف أكسبه الكثير من الثناء وأيضًا الانتقادات.
الضغوطات الدولية على "تليغرام
في مقابلة مع الصحفي الأميركي تاكر كارلسون في أبريل الماضي، تحدث دوروف عن الضغوط التي تعرض لها من قبل حكومات متعددة، بما في ذلك محاولات السلطات الأميركية لإنشاء "باب خلفي" في تطبيق "تليغرام". وذكر أن عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) حاولوا إقناع أحد مهندسيه بإدراج أدوات مفتوحة المصدر في التطبيق لتمكينهم من التجسس على المستخدمين. كما تحدث عن مواجهاته المباشرة مع عملاء الـ "إف بي آي" في المطارات وحتى قرب منزله، مما يعكس مستوى الاهتمام الكبير الذي يحظى به التطبيق من قبل السلطات الأميركية.
يثير اعتقال دوروف في فرنسا تساؤلات عديدة حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة، وما إذا كانت مرتبطة بمواقفه وسياساته التي كثيرًا ما أثارت الجدل على الصعيد الدولي. في عام 2013، أسس بافل دوروف وشقيقه نيكولاي تطبيق "تليغرام"، الذي سرعان ما تحول إلى منصة عالمية معروفة بتشفيرها القوي للرسائل والتزامها بخصوصية المستخدمين. يوفر "تليغرام" ميزات مثل التشفير الكامل بين الطرفين، والمحادثات السرية، مما جعله خيارًا مفضلًا لأولئك الذين يبحثون عن تواصل آمن، مثل الصحفيين والمعارضين للحكومات. ومع ذلك، أصبح التطبيق أيضًا منصة مناسبة للأنشطة الإجرامية.
تعرض "تليغرام" لانتقادات حادة باعتباره منصة لنشر المعلومات المضللة والمحتوى العنيف والأنشطة غير القانونية، مما أثار مخاوف الحكومات والهيئات التنظيمية، خاصة في أوروبا. على سبيل المثال، واجه التطبيق انتقادات متكررة لعرضه محتوى مضللاً حول الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ومع ذلك، نادرًا ما يُغلق "تليغرام" أي قنوات بدون طلب من جهات إنفاذ القانون أو الهيئات التنظيمية.
يرتبط اعتقال بافل دوروف في مطار لو بورجيه بباريس بتحقيق جارٍ حول ممارسات وسياسات الإشراف على المحتوى في "تليغرام". ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الفرنسية، أعربت السلطات عن قلقها من أن ضعف الرقابة على المحتوى في التطبيق سمح بانتشار الأنشطة الإجرامية دون رادع.
في تقرير جديد من صحيفة "لوموند" الفرنسية، كشفت الصحيفة أن قنوات توظيف على "تليغرام" تحولت إلى منصات لتسويق المخدرات في فرنسا وتوظيف مروجيها. وأوضحت الصحيفة، في تحقيق بعنوان "تجارة المخدرات: المنصات الرقمية لبيع المخدرات تعمل بأقصى طاقتها في فصل الصيف"، أن التطبيق تحول إلى سوق مزدهرة لبيع المخدرات وتوظيف مروجيها. ووفقًا لـ "لوموند"، تشير هذه الإعلانات إلى اقتصاد موازٍ يزدهر في فصل الصيف، الذي يتميز بزيادة جرائم القتل المرتبطة بالمخدرات، كما أنها تعكس اعتماد "تليغرام" كمنصة مركزية لعرض البضائع غير القانونية.
كانت سياسات "تليغرام" في الإشراف على المحتوى موضوع نقاش دائم. فعلى عكس منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، تبنى التطبيق نهجًا متساهلًا نسبيًا في الإشراف على المحتوى، مع التركيز أكثر على خصوصية المستخدم وحرية التعبير. وقد جعل هذا النهج من "تليغرام" منصة مفضلة بين المستخدمين الذين يبحثون عن قنوات تواصل غير خاضعة للرقابة، خاصة في الدول التي تنتشر فيها الرقابة الحكومية. ولكن هذا الموقف جلب عليه أيضًا انتقادات من الحكومات ووكالات الأمن التي ترى أن سياسات "تليغرام" تسمح بانتشار المحتوى الضار والنشاط الإجرامي.
يأتي هذا التحقيق وسط جهود الاتحاد الأوروبي لتطبيق قانون الخدمات الرقمية، وهو تشريع يفرض متطلبات صارمة على شركات التقنية الكبرى فيما يتعلق بسياسات الإشراف على المحتوى على منصاتها. ففي مايو 2024، بدأت الجهات التنظيمية التقنية في الاتحاد الأوروبي بالتواصل مع "تليغرام" مع اقتراب المنصة من الوصول إلى 45 مليون مستخدم داخل الاتحاد الأوروبي، مما سيخضعها لمتطلبات قانون الخدمات الرقمية الصارمة. يفرض القانون على المنصات ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة في الاتحاد الأوروبي أنظمة رقابية صارمة على المحتوى لاكتشاف وإزالة المحتوى غير القانوني، أو مواجهة غرامات باهظة وعقوبات أخرى ضد الشركة.
بالتالي، يُظهر اعتقال دوروف في فرنسا تصاعد التوترات بين الشركات التقنية العالمية والحكومات فيما يتعلق بالمسؤوليات المتعلقة بالإشراف على المحتوى الرقمي وحرية التعبير، مما يثير تساؤلات حول كيفية التوازن بين الخصوصية والأمان الرقمي والرقابة الحكومية.