أعلنت خمس نقابات مغربية خوض إضراب وطني عام، يشمل القطاعين العام والخاص، يوم الأربعاء، احتجاجًا على تمرير الحكومة لمشروع قانون الإضراب الذي أثار جدلًا واسعًا، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية.
تمرير مشروع القانون وسط معارضة نقابية
شهد مجلس المستشارين المغربي، مساء الاثنين، تصويتًا بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي الذي يحدد شروط ممارسة حق الإضراب، حيث حضر الجلسة 48 عضوًا من أصل 120، صوّت 42 منهم لصالح المشروع، فيما رفضه 7 أعضاء. كما انسحب فريق الاتحاد المغربي للشغل من الجلسة، رفضًا للصيغة المطروحة. وكان مجلس النواب قد صادق على المشروع في 24 ديسمبر الماضي بموافقة 124 نائبًا مقابل معارضة 41.
وبعد هذه المصادقة، سيعود مشروع القانون إلى مجلس النواب لاستكمال المسار التشريعي، بعد إدخال مجلس المستشارين تعديلات عليه. وأكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، أن الحكومة استجابت لمعظم التعديلات المقترحة من الشركاء الاجتماعيين لتحقيق التوازن في القانون، موضحًا أنه يشمل جميع فئات العمال، سواء في القطاع العام أو الخاص، بالإضافة إلى المستقلين والعاملين المنزليين.
النقابات ترفض المشروع وتدعو إلى الإضراب
أعلنت أربع نقابات، هي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، المنظمة الديمقراطية للشغل، وفيدرالية النقابات الديمقراطية، عن إضراب عام يوم الأربعاء، فيما قرر الاتحاد المغربي للشغل تمديد الإضراب ليشمل يومي الأربعاء والخميس، احتجاجًا على ما وصفه بـ"السياسات اللاشعبية" للحكومة، وضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة، وتمرير قوانين اعتبرتها النقابات تراجعية.
وأكد يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن الإضراب يأتي بعد سلسلة من الاحتجاجات والمسيرات ضد مشروع القانون، منتقدًا النهج الذي اتبعته الحكومة في مناقشته دون استكمال التفاوض مع النقابات. وأشار إلى أن المشروع يفرض قيودًا على الحق في الإضراب، مثل حصر الدعوة إليه في نقابات ذات تمثيلية، مما يجعل ممارسته شبه مستحيلة في بعض الشركات. كما انتقد منح السلطات صلاحية تعليق الإضراب، والسماح للمشغلين بتوظيف بدلاء للعمال المضربين، ما اعتبره يتناقض مع مدونة الشغل.
كما أبدت النقابات اعتراضها على العقوبات التي جاء بها القانون، معتبرة أنها تضيف أعباء جديدة على العمال، إذ تضاف إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية ومدونة الشغل.
تصاعد الاحتجاجات وتشكيل جبهة وطنية
لم يقتصر الإضراب على رفض مشروع القانون، بل جاء أيضًا نتيجة للأوضاع الاجتماعية الصعبة، بما في ذلك غلاء الأسعار وارتفاع معدلات البطالة، ما دفع النقابات إلى اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى، تشمل اللجوء إلى المحكمة الدستورية ومنظمة العمل الدولية.
وفي هذا السياق، تم تأسيس جبهة وطنية تضم نقابات، جمعيات حقوقية، أحزابًا سياسية، وتنظيمات مدنية، بهدف التصدي لما وصفته بـ"محاولات تكبيل الحق في الإضراب".
انتقادات للحكومة ودعوات لحوار أوسع
أكد محمد الزويتن، الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، أن الحق في الإضراب مكفول دستوريًا في المغرب منذ عام 1962، وكان من الضروري أن تُجري الحكومة حوارًا موسعًا مع جميع الفاعلين قبل تمرير القانون. وانتقد لجوء الحكومة إلى المسار التشريعي المباشر، مستغلة أغلبيتها العددية في البرلمان، بدلًا من التوافق مع النقابات.
وأشار إلى أن تقنين حق الإضراب ظل مؤجلًا منذ دستور 2011، رغم تقديم حكومة عبد الإله بن كيران مشروع قانون بهذا الخصوص في عام 2016، لكنه بقي مجمدًا بسبب اعتراضات النقابات. إلا أن حكومة عزيز أخنوش أعادت المشروع للنقاش في أكتوبر 2024، مع تعديلات أثارت مزيدًا من الجدل.
الحكومة تدافع والمعارضة تتهم بالتقييد
بينما تؤكد الحكومة أن مشروع القانون يهدف إلى تحقيق توازن بين حقوق العمال والمشغلين، وضمان استمرارية المرافق العامة، ترى النقابات أنه يقيد الحق في الإضراب ويُمرَّر دون توافق.
واعتبرت فرق الأغلبية في البرلمان أن المشروع يعزز الاستقرار الاجتماعي، ويحمي منجزات الحركة النقابية، ويساهم في جذب الاستثمارات. في المقابل، تصر النقابات على أن القانون جاء في سياق سياسات حكومية لا تراعي مصالح العمال، وتوعدت بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق مطالبها.